ما لم أكن أتوقعه هو أن أتلقى إشادة على المقال السابق من رئيس منتدى جدة الاقتصادي الأستاذ سامي بحراوي. ومافاجأني أنني أثناء تأكيدي للبحراوي بأنني قرأت أنكم (تعترفون) بالأخطاء و(تتحملون مسؤوليتها) (بصيغة الجمع) وبالتالي مطالبتي بمعرفة المسؤولين قد سقطت، قاطعني قائلاً (أنا)... واستدرك مصححاً سوء فهمي للتصريح فقال: (أنا أتحمل المسؤولية كاملة عن أي أخطاء وقعت في المنتدى)... وبالطبع سبب المفاجأة لا يغيب عن أحد، فنحن لم نعتد على أن يعترف شخص ما بتحمله مسؤولية خطأ ما وهو لايزال في منصبه!!... وبالطبع -كذلك- كانت هذه المبادرة منه كفيلة بتحفيز فضولي الصحفي لأطلب التوسع في مناقشة الموضوع معه... ووجدت نفسي بعدها أضع جنباً إلى جنب الخلاصة التي خرجت بها من حواري مع الأستاذ سامي بحراوي، وخلاصة ندوة ««عكاظ»» التي استضافت الرئيس السابق للمنتدى الأستاذ عمرو عناني وكنت أحد المشاركين فيها. أبدأ بالجوانب المضيئة: فنحن نتحدث عن قيادات سعودية شابة أدارت المنتدى منذ دورته الأولى حتى هذه الدورة الثامنة، ووصلت به إلى العالمية وحققت نجاحات كبيرة بالرغم من وقوع أخطاء... واللافت أن 99.9% من ندوة «عكاظ» مع الأستاذ عمرو عناني ومن حواري مع الأستاذ سامي بحراوي كانت عبارة عن اتهامات موجهة لإدارتهما للمنتدى تم استقبالها برحابة صدر وبإجابات كانت تتضمن تبريرات مقنعة أو شفافية الاعتراف بالخطأ وطرح آلية المعالجة... كما أن كلاً منهما رفض تصيّد أخطاء الآخر ووجدت أن كلا منهما كان حريصاً عند ذكر زميله على سرد إيجابياته، وهذه من أخلاقيات ومبادئ العمل التي تجعل الإنسان لايقبل ببناء نجاحه على فشل الآخر. قواسم أخرى تجمع بين التجربتين فعناني عندما تم تكليفه برئاسة المنتدى، حاول الاستعانة بمعلومات أبلغه الرئيس السابق بأنها متوافرة في الغرفة، والغرفة أبلغته بأنها في المستودع، والبقية تذكرني بقصة المفتاح عند الحداد والحداد يبغى فلوس... ألخ (تعرفون البقية). كما أنه لم يُطلب منه عند إعفائه تسليم ماتم إعداده من وثائق عن الإيجابيات والسلبيات التي تم رصدها عن منتدى 2006 لتلافيها في منتدى 2007... وكانت بين يديه قائمة لمتحدثين أكدوا حضورهم وأخرى To Do List لمهام يمكن إنجازها مثل إصدار دليل إلكتروني بأسماء الحضور ومُسمياتهم الوظيفية لتيسير ودعم التواصل فيما بينهم خلال فترة انعقاد المنتدى... وبحراوي -خلافاًً لما ورد على لسانه في بعض الصحف- لم يطلع على تلك الوثائق ولا ماسبقها ولكنه خاض مرحلة بحث ودراسة واجتهاد لتوقع نسب زيادة عدد الحضور مع وضع اعتبارات أخرى بعين الاعتبار... كذلك كان ولايزال المنتدى يدار من قبل متطوعين وينعقد منذ أعوام بعد إجازة الحج أو إجازة منتصف العام حيث يمارس أغلب المتطوعين والمتطوعات حقهم الطبيعي في الاستمتاع بإجازتهم وربما السفر في مرحلة حرجة من مراحل الإعداد للمنتدى، والوقت قد أزف لتحويل المتطوعين إلى موظفين لضمان التزامهم.
من جهة أخرى توجد مفارقات غريبة: فعناني واجه انتقادات حادة على فكرة الجلسات المتزامنة على اعتبار أنها تشتت الحضور وتحرمهم من متابعة جميع الجلسات واعتبرت أغلب الآراء آنذاك أن عدد الجلسات كان كبيراً جداً، بينما واجه بحراوي التذمر من إلغائها وتم اعتبار تقليص عدد الجلسات من دلائل تراجع المنتدى... من جهة أخرى ظل منتدى جدة الاقتصادي يتهم بأنه (نخبوي) فتم توسيع قاعدة المشاركة هذا العام بدعوة عدد أكبر من النساء والرجال وعلى إثره تم اتهامه بأنه قد أصبح (شعوبياً).
تلك المفارقات مجرد نماذج جعلتني استشف -بعد لقائي بالرئيسين- وجود مشكلة أخرى هامة غير المشاكل التي اعترف كل منهما بها... فثمة ثقافة اجتماعية تساهم في إرباك خطط المنظمين، كما أننا لابد أن نعترف بأن السواد الأعظم من الحضور المحلي لايفكرون بالتسجيل إلا في اللحظات الأخيرة، وعدد أكبر من رجال ونساء الأعمال اعتادوا على تلقي دعوات مجانية ومع ذلك لايتكبدون عناء اتباع خطوات التسجيل وتعبئة البيانات مبكراً... ومن الواضح أننا لانضع طبيعة الحضور بالحسبان عندما نقارن (منتدى جدة الاقتصادي) بـ(منتدى دافوس) الذي إذا أردت حضوره العام المقبل فعليك التسجيل منذ الآن. وهذا الأمر وفقاً لبحراوي- مقبول عالمياً، غير أنه لو تم تطبيقه هنا قد تكون النتيجة (لن يحضر أحد).
أحترم وجهة نظر الأستاذ سامي بحراوي في عدم محاولة تغيير ثقافة وطبيعة المجتمع بإجباره على الانضباط، وأقدر تفضيله إيجاد حلول تساعد على التكيف وقوله: (لن أغير ثقافتنا على حساب رسالتنا) والرسالة التي يقصدها هي إشراك أكبر عدد من الحضور المحلي وإن اضطره الأمر إلى توصيل البطاقات لمكاتبهم... لكن الواقع أننا ندور حول مشاكل عديدة ثم نعود لنقطة الوعي الاجتماعي الذي يجب أن يواكب القرارات الإصلاحية لنصل إلى نتائج مرضية وحلول متكاملة،. الطريف أنني في ختام لقائي أبديت تقديري للبحراوي على اعترافه الجريء بتحمل المسؤولية كاملة لأن الاعتراف هو أول طريق المعالجة فقال ضاحكاً: «وأحياناً من يعترف بالخطأ يعاقب بالإقالة».